لو اتبعت مثل هذه التوصيات لكان وضع النقل في عمّان اليوم أفضل بكثير مما هو عليه الآن.
لماذا التقاطعات الأربعة (والأربعين)!؟
جريدة الرأي الأردنية ▪ السبت 28/4/1984 ▪ الصفحة الثالثة
وصلت إلى زاوية (نافذة) الرسالة التالية من المهندس مروان زريقات حول قضية إنشاء التقاطعات المرورية في العاصمة
السيد نزيه
في الأنباء، أن أمانة العاصمة فرغت من إنجاز معظم الأمور الإجرائية والمتعلقة بطرح عطاء إنشاء تقاطعات منفصلة (بناء جسور وأنفاق) على الدوار الثالث ودوار الداخلية وتقاطع المدينة الرياضية وجسر النشا والهدف من إنشاء هذه التقاطعات، وكما أعلنته أمانة العاصمة، هو تخفيف حدّة أزمة المرور للمركبات عليها
الفوائد المتوخاة من إنجاز هذا المشروع معروفة ومفهومة لأنها تقترن بهدف واضح ويعبّر عن مشكلة يعاني منها سائقو المركبات في مدينة عمّان. ولكنني، على الرغم من ذلك، أعتقد بإخلاص أن تنفيذ مثل هذا المشروع سيحمل معه العديد من السلبيات التي تفوق حدود إنفاق بضعة ملايين على تنفيذه، وإنني لذلك رأيت أن أطرح، من خلال نافذة الرأي، بعضاً منها آملاً أن يؤدي ذلك إلى خلق حوار إيجابي حول هذا الموضوع
أولاً: إن الدافع لإنشاء هذه التقاطعات ينطلق من فرضية أن هنالك أزمة مرور أو (اختناق مروري) عليها. ومن بديهيات هذه الفرضية أن تكون مبنية على رؤية واضحة للخط الفاصل بين ما يدخل ضمن اعتباره أزمة مرور وبين ما يُنظر إليه على أنه أمر طبيعي مرتبط بظاهرة حركة السير داخل المدن.
أزمة المرور داخل المدن موجودة في كل عواصم العالم، وإذا كان لنا أن نقارن بين ما نشهده في المدن الأخرى وبين ما "نعانيه" في عاصمتنا عمّان من أزمة أو أزمات مرورية، فإن مثل هذه المقارنة ستقودنا بالتأكيد إلى نتيجة واحدة: وهي أننا في عمّان قد وضعنا مثل هذا المقياس على درجة متدنية تعبّر عن حالة من "ضيق الخلق" في التعامل مع "أزمات المرور" يعتبرها غيرنا في مدن العالم من الأمور الطبيعية والعادية.
أسكن في الجبيهة، وأستعمل سيارتي يومياً في التنقّل من منزلي إلى جبل الحسين (قرب كلية الحسين) أو إلى الدوار الأول في جبل عمّان، وكل من الرحلتين يتجاوز طولها ثمانية كيلومترات. لا أذكر مرة واحدة استغرقتني فيها زمناً يزيد على خمس وعشرين دقيقة... مع أن ذلك يتطلب المرور في منطقة الدوار الثالث أو دوار الداخلية وتقاطع المدينة الرياضية. فما هو عدد العواصم في العالم التي يستطيع فيها السائق أن يقطع مثل هذه المسافة مخترقاً وسط المدينة في مثل هكذا زمن؟
ثانياً: هل هي أزمة المرور تلك التي نعاني منها أم هي أزمة نقل؟ لنفترض أن هنالك ثلاثمائة مركبة تتوقف عند أبواب الدوار الثالث (مثلاً) في الأوقات التي تشتد فيها أزمة المرور فإذا كان الهدف يتمثل في تسهيل حركة هذه الثلاثمائة مركبة، فإننا بصدد حل "أزمة مرور. أما إذا كان الهدف يتمثل في تسهيل انتقال المواطنين الذين ينتظرون في هذه المركبات من مكان إلى آخر، فإننا نتحدث عن "أزمة نقل
وواقع الحال، وكما هو معروف لنا جميعاً، فإن معظم هذه المركبات التي تتوقف عند التقاطعات هي سيارات خصوصية لا يشغلها في الغالب غير سائقيها. فنحن إذن أمام مشكلة نقل أربعمائة مواطن (تقريباً) خلال هذا التقاطع، وهي هذه الأخيرة ليست أزمة مرور لأن كل هذا العدد يمكن استيعابه بما لا يتجاوز ربع عدد المركبات المتوقفة إذا كنا بصدد تطوير وسائط النقل العام كالباصات وسيارات السرفيس وغيرها. ففي معظم مدن العالم، توصّل المخططون في مجال النقل داخل المدن إلى نتيجة مشتركة، وهو أن لا بديل عن تطوير وسائط النقل العام كحل أساسي ووحيد لمشكلة ازدحام المركبات في المدينة
إن مشروع التقاطعات له عائد اقتصادي موجب إذا كان التحليل يقتصر على احتساب حجم الاستثمار ومقارنة ذلك بالتوفير في تكاليف تشغيل المركبات والوقت الإنتاجي لراكبيها، أما إذا كان التخطيط يتجه نحو تطوير وسائط النقل العام وتشجيع الناس على استعمالها، فإن العائد الاقتصادي من وراء إنشاء التقاطعات على المدى البعيد سيكون سلبياً نظراً لأن مثل هذا المشروع سيشجّع الناس على المزيد من اقتناء السيارات الخاصة والمزيد من استعمالها في التنقّل، وبالتالي خلق اختناقات مرورية أشد وأقسى وتخفيف الطلب على وسائط النقل العام الأخرى
ثالثاً: وهل استنفذت أمانة العاصمة كافة الحلول الأخرى (الأسهل والأرخض) فلم يعد يبقى أمامها سوى المضي في إنشاء هذه الجسور والأنفاق على التقاطعات المذكورة؟
وضع وتركيب الإشارات الضوئية على الدوار الثالث أعطى نتائج ملموسة في التخفيف من حدّة أزمة المرور عليه. فلماذا لا "نجرّبها" على دوار الداخلية؟
لماذا يكون الدوار الثالث هو المكان الوحيد المناسب في مدينة عمّان لكي تقوم عليه أو حوله مؤسسة المواصلات السلكية واللاسلكية (مبنى الإدارة ومبنى خدمات المشتركين) وسلطة وادي الأردن ودائرة ضريبة الدخل وسلطة المياه ومحكمة أمانة العاصمة ووزارة الإعلام ودائرة الأحوال المدنية، الخ، وكل هذه أو معظمها يجتذب الكثير من المراجعين وبالتالي الكثير من المركبات؟
لماذا لا نعيد تخطيط تقاطع المدينة الرياضية، أو نعيد النظر على الأقل في "تعيير" الإشارات الضوئية عليه؟
ثم ماذا عن التحويلات؟ وقد رأينا شيئاً منها على تقاطع المدينة الرياضية والدوار الثالث، ونسمع عن طريق وادي الحدادة واتصالها مع طريق عين غزال. كل هذه وغيرها يساعد في التخفيف من أزمة المرور على هذه التقاطعات
رابعاً: إن البضعة ملايين التي سننفقها اليوم على إنشاء تقاطعات منفصلة ستشكّل الدفعة الأولى فقط من فاتورة التقاطعات التي سيصبح تنفيذها أمراً ضرورياً في المستقبل. فإذا كانت أزمة مرور بين نقطتين على شارع ما يتحمّلها تقاطعان على هذا الشارع، فإن حل الأزمة على تقاطع منهما يعني اشتدادها عند التقاطع الثاني. وبتعبير أبسط وأدق: فإن حل مشكلة دوار الداخلية سيؤدي إلى خلق أزمة مرور عند دوار فراس العجلوني، وتسهيل حركة السير عند الدوار الثالث سينعكس على حدّة أزمة المرور عند الدوار الثاني
وأمانة العاصمة تعي هذه المسألة، وقد أعلمتنا (مقدّماً) وعبر وسائط الإعلام بأن هنالك ما يزيد على أربعين تقاطعاً آخر داخل مدينة عمّان تحتاج (أو ستحتاج) إلى إنشاء جسور وأنفاق عليها. فإذا كانت أربعة من التقاطعات تتطلب في هذا العام بضعة ملايين، فمن المستحسن أن نفكر بمئات الملايين التي يتوجب أن نوفرها لنصرفها في المستقبل على إنشاء التقطعات الأربعين
خامساً: وما دمنا بصدد الحديث عن أزمات المرور، فإننا يجب أن لا ننسى الأزمة (المأساة) الرديفة لموضوع المرور وهي مشكلة حوادث الطرق. فلماذا نصرف بضعة ملايين على أربعة تقاطعات أو مئات الملايين على أربعين منها في الوقت الذي لا نكاد نسمع بحادث مرور على أي منها، بينما نحجم عن ضرف جزء بسيط من هذا الاستثمار على ما يزيد على أربعة آلاف تقاطع يحتاج معظمها إلى إعادة تخطيط أو وضع إشارات ضوئية لتطويرها فنياً ونزع مصائد البشر والسيارات منها
المهندس مروان زريقات
وبدورنا... نحيل هذه الرسالة وما جاء فيها بدون تعليق إلى أمانة العاصمة، لعلها تجد الدراسة الجدية اللازمة!؟
(نزيه...)