علي عطاري
تموز 2017
لا بد وأن تكونوا قد رأيتم الفيديو الجديد الذي يتصوّر إمكانية وجود نظام مترو في عمّان. يضع الفيديو الكتابات العربية وصور لمدينة عمّان على لقطات لأنظمة مترو من حول العالم مقدماً سيناريو يحلم به الكثير من الأردنيين. هذا المطلب بإنشاء مترو عمّان هو إستمرار لفكرة أثارها العديد من أصحاب القرار، كان آخرهم أمين عمّان السابق عقل بلتاجي. وبينما أحب شخصياً أن أرى نظام مترو في عمّان يوماً ما، فإن الواقع للأسف هو أن مشروع المترو يتطلب وقتاً طويلاً جداً للتنفيذ، وإستثماراً ضخماً للغاية قد يعادل عشرين ضعف تكلفة مشروع الباص السريع المتوقع تشغيله سنة 2019.
إن مركز دراسات البيئة المبنية كان قد أعدّ فيديو معلوماتي عن مشروع الباص السريع يبيّن بعض الإختلافات الرئيسية بين أنظمة المترو والباص السريع (أنظر أدناه). إن الوضع الحالي في عمّان يتصف بإعتماد هائل على السيارة الخاصة والتكسي للتنقل، إذ لا يستخدم وسائل النقل العام سوى 15% من سكان المدينة. إن هذا مقلق في مدينة يتعدى عدد سكانها الأربعة مليون. وبالإضافة إلى ذلك، فإن عدد السيارات في عمّان يتزايد بنسبة 8 - 10% سنوياً. إن النقل العام عنصر أساسي في البنية التحتية لأي مدينة إذ أنه يضمن تحسين إمكانية التنقل لجميع فئات المجتمع. هناك حاجة ماسة لإعادة هيكلة نظام النقل في عمان، وهذا يعني أنه علينا أن نركّز على الحلول الأكثر واقعيةّ للمدينة، والباص السريع من أهمها.
جذب الباص السريع في عمّان سمعة سلبية بسبب إتهامات بالفساد وسوء الإدارة أدت إلى توقيف أعمال البناء عليه لمدة خمس سنوات. ولم تتلاشى الشكوك المرتبطة بالمشروع حتى بعد عودة العمل عليه في سنة 2016 حينما توصلت التحقيقات بخصوصه بأن معظم هذه الإتهامات كانت خالية من الصحة.
تتميز أنظمة المترو بسعتها الكبيرة ووحركتها المتواصلة. وإن وجودها تحت الأرض بعني أنها لا تتداخل مع شبكات التنقل التي تقع على مستوى الشارع، وهذا يسمح بتشغيل كلاهما بإستقلال تام عن الآخر. ولكن هذه المزايا تتطلب تكلفة ضخمة بسبب الوقت والإستثمار المطلوب لتحضير البنية التحتية اللازمة لتشغيل المترو. فعلى سبيل المثال، إن خط مترو "الشارع 2" في مدينة نيويورك الذي افتتح مؤخرا كان قد اقتُرِح منذ حوالي قرن، ووصلت تكلفته ما يقارب الـ 4.4 بليون دولار لإنشاء 3.2 كيلومتر من الأنفاق التي استغرق بنائها أكثر من عشر سنوات. وفي اليونان، اضطرت الحكومة أن تؤجل إنهاء بناء مشروع مترو مدينة سالونيك الذي كان من المفروض أن ينتهي سنة 2016 حتى 2020 وذلك بسبب إكتشاف آثار مهمة خلال أعمال التنفيذ. وهذا أمر يمكن أن يحدث في عمّان. إن كل ذلك لا يعني أن جميع مشاريع المترو تواجه المشاكل، فإن مدن مثل دبي وبكين تمكنت من بناء أجزاء من شبكات المترو فيها خلال وقت قصير نسبياً. وهناك عوامل عديدة وراء هذه الإختلافات في الوقت اللازم لإنشاء مشاريع المترو المتعددة. ومن هذه الأسباب البيورقراطية التي تتصادم أحيانا مع الإرادة السياسية (أو عدم وجودها) لإنشاء مشروع مترو. وتظهر في بعض الأحيان عوائق أخرى مثل ضرورة العمل حول شبكات البنية التحتية الموجودة أصلاً أو التعامل مع مشاكل سوء الإدارة.
هناك عدة تشابهات بين الباص السريع والمترو، منها إتباع جدول تشغيل صارم يعتمد على إستخدام التذاكر الإلكترونية، وأيضاً دخول الركاب وخروجهم من المركبات بسرعة. إن نظام الباص السريع يسير في مسارب مخصصة توجد على مستوى الشارع بدلا من تحت الأرض، مما يعني أن التدخلات المطلوبة لإنشاء البنية التحتية له محدودة. ومع أن البنية التحتية للباص السريع تأخذ مساحة يمكن تخصيصها للسيارات، لكن يمكن للباص السريع أن يحمل عدد أكبر بكثير من الركاب بالمقارنة بالسيارة. يستخدم النظام باصات مزدوجة (تتكوّن من مركبتين) يمكن أن تحمل 150 راكباً (أي أن الطاقة الإستيعابية للباص الواحد تعادل الطاقة الإستيعابية لـ 110 سيارات) ويقدم خدمة تردد عال تضمن أن المستخدم لن ينتظر طويلاً حتى وصول الباص القادم. وإن تكلفة إنشاء الباص السريع في عمّان - التي تبلغ 172.5 مليون ديناراً - هي نسبة بسيطة من تكلفة مشروع مترو. كذلك فإن تشغيل وصيانة أنظمة المترو مكلفة جدا، مما يؤدي إلى إرتفاع أسعار تذاكره، وهذا ينعكس سلبياً على إمكانية إستخدام الراكب العادي له.
يصعب تخيّل مخطط واقعي لمترو في عمّان في المستقبل القريب بسبب التكلفة الباهظة اللازمة لتنفيذه. هناك حاجة ماسة لنظام نقل عام فعّال في عمّان، وإن نظام الباص السريع يقدم حلاً معقولاً يمكن تنفيذه بسرعة (إذا أخذنا بالإعتبار أن توقف العمل على المشروع في عمّان كان لأسباب سياسية وليس تقنية أو إدارية). إن مشروع المترو رائع على المدى البعيد، ولكن يجب أن لا يكون هذا المشروع على حساب مشروع الباص السريع الجاري تنفيذه.